الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{لَّهُمْ عَذَابٌ في الحياة الدنيا} بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب. {وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَقُّ} لشدته ودوامه. {وَمَا لَهُم مِّنَ الله} من عذابه أو من رحمته. {مِن وَاقٍ} حافظ.{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} صفتها التي هي مثل في الغرابة، وهو مبتدأ خبره محذوف عند سيبويه أي فيما قصصنا عليكم مثل الجنة وقيل خبره.{تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} على طريقة قولك صفة زيد أسمر، أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار، أو على زيادة المثل وهو على قول سيبويه حال من العائد أو المحذوف أو من الصلة. {أُكُلُهَا دَائِمٌ} لا ينقطع ثمرها. {وِظِلُّهَا} أي وظلها كذلك لا ينسخ في الدنيا بالشمس: {تِلْكَ} أي الجنة الموصوفة. {عقبى الذين اتقوا} مآلهم ومنتهى أمرهم. {وَّعُقْبَى الكافرين النار} لا غير، وفي ترتيب النظمين إطماع للمتقين وإقناط للكافرين.{والذين اتيناهم الكتاب يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} يعني المسلمين من أهل الكتاب كابن سلام وأصحابه ومن آمن من النصارى وهم ثمانون رجلًا أربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة، أو عامتهم فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم. {وَمِنَ الأحزاب} يعني كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما. {مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} وهو ما يخالف شرائعهم أو ما يوافق ما حرفوه منها. {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ} جواب المنكرين أي قل لهم إني أمرت فيما أنزل إلى بأن أعبد الله وأوحده، وهو العمدة في الدين ولا سبيل لكم إلى إنكاره، وأما ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم فليس ببدع مخالفة الشرائع والكتب الإِلهية في جزئيات الأحكام. وقرئ: {وَلاَ أُشْرِكُ} بالرفع على الاستئناف. {إِلَيْهِ ادعوا} لا إلى غيره. {وَإِلَيْهِ مَآبِ} وإليه مرجعي للجزاء لا إلى غيره، وهذا هو القدر المتفق عليه بين الأنبياء، وأما ما عدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم فلا معنى لإنكاركم المخالفة فيه.{وكذلك} ومثل ذلك الإنزال المشتمل على أصول الديانات المجمع عليها. {أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا} يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة. {عَرَبِيًّا} مترجمًا بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه وانتصابه على الحال. {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم} التي يدعونك إليها، كتقرير دينهم والصلاة إلى قبلتهم بعدما حولت عنها. {بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العلم} بنسخ ذلك. {مَالَكَ مِنَ الله مِن وَلِيّ وَلاَ وَاقٍ} ينصرك ويمنع العقاب عنك وهو حسم لأطماعهم وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم.{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ} بشرًا مثلك. {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} نساء وأولادًا كما هي لك. {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} وما يصح له ولم يكن في وسعه. {أَن يَأْتِىَ بِآيَةٍ} تقترح عليه وحكم يلتمس منه. {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فإنه المليء بذلك. {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} لكل وقت وأمد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم.{يَمْحُو الله مَا يَشَاءُ} ينسخ ما يستصوب نسخه. {وَيُثْبِتُ} ما تقتضيه حكمته. وقيل يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها. وقيل يمحو من كتاب الحفظة ما لا يتعلق به جزاء ويترك غيره مثبتًا أو يثبت ما رآه وحده في صميم قلبه. وقيل يمحو قرنًا ويثبت آخرين. وقيل يمحو الفاسدات الكائنات. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي: {وَيُثَّبتُ} بالتشديد. {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه.{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} وكيفما دارت الحال أريناك بعض ما أوعدناهم أو توفيناك قبله. {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} لا غير. {وَعَلَيْنَا الحساب} للمجازاة لا عليك فلا تحتفل بإعراضهم ولا تستعجل بعذابهم فإنا فاعلون له وهذا طلائعه.{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الأرض} أرض الكفرة. {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} بما نفتحه على المسلمين منها. {والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} لا راد له وحقيقته الذي يعقب الشيء بالإِبطال، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفو غريمه بالاقتضاء، والمعنى أنه حكم للإِسلام بالاقبال وعلى الكفر بالإِدبار وذلك كائن لا يمكن تغييره، ومحل: {لا} مع المنفي النصب على الحال أي يحكم نافذًا حكمه. {وَهُوَ سَرِيعُ الحساب} فيحاسبهم عما قليل في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والاجلاء في الدنيا.{وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} بأنبيائهم والمؤمنين به منهم. {فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا} إذ لا يؤبه بمكر دون مكره فإنه القادر على ما هو المقصود منه دون غيره. {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} فيعد جزاءها. {وَسَيَعْلَمُ الكفار لِمَنْ عُقْبَى الدار} من الحزبين حيثما يأتيهم العذاب المعد لهم وهم في غفلة منه، وهذا كالتفسير لمكر الله تعالى بهم، واللام تدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة. مع ما في الإضافة إلى الدار كما عرفت. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكافر على إرادة الجنس، وقرئ: {الكافرون} و: {الذين كفروا} و: {الكفر} أي أهله وسيعلم من أعلمه إذا أخبره.{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلًا} قيل المراد بهم رؤساء اليهود. {قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فإنه أظهر من الأدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها. {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز، أو علم التوراة وهو ابن سلام وأضرابه، أو علم اللوح المحفوظ وهو الله تعالى، أي كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو شهيدًا بيننا فيخزي الكاذب منا، ويؤيده قراءة من قرأ: {وَمَنْ عِندَهُ} بالكسر و: {عِلْمِ الكتاب} وعلى الأول مرتفع بالظرف فإنه معتمد على الموصول، ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره وهو متعين على الثاني. وقرئ: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} على الحرف والبناء للمفعول. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة من الموفين بعهد الله». اهـ.
|